مضى على تأسيس نظرية داو ما يزيد عن 100 عام، رغم ذلك ما زالت تتردد هذه النظرية على مسامعنا حتى اليوم كأحد المبادئ الأساسية لفهم التحليل الفني في التداول. فماذا تعني نظرية داو؟ وما الدور الذي لعبته في وضع أسس التحليل الفني؟ في المقال التالي، سنتعرف أكثر على نظرية داو وبداية ظهورها، مع تسليط الضوء على المبادئ الأساسية لهذه النظرية والأمثلة على تطبيقها في التداول.
ما هي نظرية داو Dow Theory؟
نظرية داو هي مجموعة من المبادئ التي وضعت الحجر الأساس في التحليل الفني للأسواق المالية اليوم، وضعها وأسسها الصحفي والاقتصادي الأمريكي تشارلز داو Charles Dow. ومن هنا جاءت تسمية النظرية على اسم المؤسس لها، والتي تعتبر من أهم إنجازات داو التي خلدت اسمه ليومنا هذا.
تشارلز داو هو أحد المؤسسين لأكبر مجلة اقتصادية في العالم وول ستريت جورنال Wall Street Journal، حيث كان داو ينشر كتاباته ومقالاته الاقتصادية عن تحليل الأسواق المالية واتجاهات السوق، والتي جمعها الاقتصاديون من بعده وبنوا عليها ما يعرف الآن بنطرية داو.
تقوم هذه النظرية على فكرة أساسية مفادها أن السوق يتحرك باتجاهات معينة يجب على المتداول أن يتمكن من تحديدها وقرائتها جيداً ليتخذ قرارات تداول صحيحة ومدروسة. ولتوضيح المفاهيم المجردة التي تضع أسس النظرية، قام داو بإسقاطها على مؤشري داو الصناعي وداو للنقل.
مبادئ نظرية داو
تم بناء نظرية داو على 6 مبادئ أساسية، هي:
- السوق يعكس كل شيء
- السوق يتحرك في 3 اتجاهات
- لكل اتجاه في السوق 3 مراحل
- يجب أن تؤكد المؤشرات بعضها البعض
- حجم التداول يدعم صحة الاتجاه
- الاتجاه مستمر حتى يظهر دليل على تغييره
1- السوق يعكس كل شيء
في المبدأ الأول لنظريته، يؤكد داو بأن جميع الأحداث حول العالم، سواء الاقتصادية أو السياسية أو الأحداث المفاجئة، يمكن قرائتها مباشرة من خلال حركة السوق. أي أنه عندما ننظر للرسم البياني في إطار زمني ما، يظهر وكأنه ملخص كامل لجميع الأحداث في ذلك الوقت.
ولنأخذ على سبيل المثال عملة البيتكوين، ففي أبريل من عام 2021 عندما أعلن إيلون ماسك عن دعمه للعملة واستثماره فيها بما يقارب 1.5 مليار دولار ارتفعت قيمة العملة الرقمية لتسجل أعلى مستوى لها في ذلك الوقت، حيث صعدت من 20,000$ لتصل حتى ما يقارب 63,000$.
وعند النظر إلى حركة سعر البيتكوين على الرسم البياني في ذلك الوقت، يكون الحدث واضحاً في شكل الاتجاه الصاعد للعملة. فبعد تصريح إيلون ماسك بشأن البيتكوين أنها العملة الأفضل وسيكون لها مستقبل رائع، أقبل كبار المستثمرين ومتداولي التجزئة على شراء العملة والاستثمار فيها لترتفع قيمتها بشكل ملحوظ.
2- السوق يتحرك في 3 اتجاهات
يكمن جوهر نظرية داو في مبدأ أن السوق يتحرك بـ3 اتجاهات أساسية. عندما يتمكن المتداول من تحديد اتجاه السوق الصحيح، يستطيع اتخاذ قرارات التداول بشكل أفضل وأكثر نجاحاً. وهذه الاتجاهات هي:
- الاتجاه الرئيسي: وهو اتجاه السوق طويل الأمد، خلال فترة تمتد لشهور أو قد تطول لسنوات متتالية. يعني ذلك الاتجاه العام لسعر أداة مالية ما، كالذهب مثلاً، قد يكون اتجاه صاعد أو هابط.
- الاتجاه الثانوي: يعكس الاتجاه الثانوي للسوق التصحيحات التي تحدث داخل الاتجاه الرئيسي، سواء كان صاعداً أم هابطاً. وقد تستمر التصحيحات لأسابيع أو لأشهر، لكنها لا تعكس الاتجاه العام للسوق. أي في حال كان اتجاه السوق صاعداً، قد يظهر على الرسم البياني انخفاض مؤقت يعقبه صعود. وهنا، لا يشكل هذا الانخفاض مؤشراً على انعكاس الاتجاه.
- الاتجاه الصغير: يمثل الاتجاه الصغير التذبذبات الصغيرة في حركة السوق خلال فترات زمنية أقصر، تكون لأسابيع أو تحركات يومية فقط. ويطلق عليها ضجيج السوق لأنها لا تمثل تغير أو انعكاس في الاتجاه.
3- لكل اتجاه في السوق 3 مراحل
حسب نظرية داو، فكل اتجاه في السوق يمر في 3 مراحل رئيسية، وهذه المراحل تحدث بنفس الترتيب بغض النظر عن اتجاه السوق إذا كان صاعداً (شرائي) أم هابطاً (بيعي).
المرحلة الأولى هي مرحلة التجميع، هنا يبدأ المستثمرون الكبار بدعم أداة مالية محددة–أي شرائها إذا كان السوق هابط أو بيعها إذا كان صاعد–ويحدث ذلك دون معرفة بقية المشاركين في السوق من عامة المتداولين.
المرحلة الثانية هي مرحلة المشاركة، وعند بلوغ هذه المرحلة، يكون المتداولين قد لاحظوا أن المستثمرين الكبار يقومون بدعم حركة السوق باتجاه محدد، فيبدأون المشاركة والدخول في صفقات البيع أو الشراء.
المرحلة الثالثة والأخيرة، هي مرحلة التصريف إذا كان السوق صاعد أو التجميع إذا كان هابط، حيث يبدأ المستثمرون الكبار بالخروج من السوق عند بلوغه الذروة. ويبدأ بعدها بقية المشاركين بإغلاق صفقاتهم والانسحاب تدريجياً.
4- يجب أن تؤكد المؤشرات بعضها البعض
يعني هذا المبدأ أن التثبت من تغير اتجاه السوق، من الصعود إلى الهبوط أو بالعكس، يجب أن يعتمد على ظهور مجموعة من المؤشرات تؤكد بعضها البعض وتثبت صحة الاتجاه. ولا يكفي ظهور مؤشر واحد فقط منها لاعتباره مؤشراً على تغير الاتجاه.
وهنا، لا يقصد داو في نظريته قراءة المؤشرات الفنية التي نوظفها اليوم في تحليل اتجاه السوق، بل يقصد بذلك المؤشرات السوقية. وقد أسقط هذا المبدأ على مؤشري داو الشهيرين: مؤشر داو الصناعي ومؤشر داو للنقل.
يمثل مؤشر داو الصناعي حركة سعر مجموعة من الشركات الصناعية في الولايات المتحدة، بينما يمثل مؤشر داو للنقل اتجاه السوق لمجموعة من شركات النقل الأمريكية. وفي نظريته، يقول داو بأن ارتفاع قيمة مؤشر داو الصناعي وحده لا يعتبر مؤشراً كافياً على تغير اتجاه السوق، على سبيل المثال.
فإذا كان يعكس التغير في سعر المؤشر ازدهاراً حقيقياً في القطاع الصناعي في الولايات الأمريكية المتحدة، يجب أن ينعكس ذلك على قطاع النقل الذي يلعب دوراً مكملاً لازدهار الصناعة من الناحية اللوجستية. وبالتالي، يجب أن ترتفع قيمة مؤشر داو للنقل بالتوازي مع ارتفاع مؤشر داو الصناعي، ليتمكن المتداول من اعتبار هذا الارتفاع مؤشر واضح على تغير اتجاه السوق.
5- حجم التداول يدعم صحة الاتجاه
يذهب تشارلز داو في نظريته إلى التشديد على أهمية حجم التداول في التأكد من صحة اتجاه السوق. فإذا كان اتجاه السوق صاعداً، وترافق مع هذا الصعود حجم تداول مرتفع، يعني ذلك وجود الكثير من الأفراد ممن يقومون بالشراء في هذا السوق. وهذا بدوره مؤشراً واضحاً يعكس قوة الاتجاه ويزيد من احتمال تحققه.
أما إذا كان السوق في اتجاه صاعد دون أن يترافق ذلك مع ارتفاع في حجم التداول، أي أن حجم التداول يبقى في نفس المستوى أو يكون منخفض، يدل ذلك على ضعف إشارة الاتجاه وقد يكون هذا الصعود مؤقت أو معرض للانخفاض مجدداً بسبب ضعف الدعم من قبل المشترين.
وعند الحديث عن حجم التداول، لابد من الإشارة إلى ملاحظة مهمة هي أن هذه القاعدة لا تنطبق على سوق الفوركس بسبب طبيعته اللامركزية. فعدم وجود جهة محددة مسؤولة عن جمع بيانات السوق تجعل من الصعب تحديد أو قياس حجم التداول الحقيقي فيه، على عكس سوق الأسهم الأمريكية وغيرها من الأسواق التي تدار من قبل جهة واحدة تستطيع حساب حجم الصفقات وتحديد حجم التداول الحقيقي.
6- الاتجاه مستمر حتى يظهر دليل على تغييره
يشير المبدأ السادس والأخير في نظرية داو إلى ضرورة التمهل وعدم تشكيل الأحكام حول تغير اتجاه السوق مباشرةً دون وجود دليل واضح وقوي يدعم صحة انعكاس الاتجاه فعلاً. وللحصول على دليل واضح وقوي، يجدر بالمتداولين مراقبة القمم والقيعان في السوق.
ففي السوق الصاعد، تتشكل القمم والقيعان بشكل متصاعد فوق بعضها البعض، أي تكون كل قمة جديدة أعلى من القمة قبلها وكل قاع أعلى من القاع السابق. أما في السوق الهابط، تتشكل القمم والقيعان بمستويات تكون فيها كل قمة أدنى من القمة قبلها وكل قاع جديد أدنى من القاع السابق.
وبالتالي، في حال ظهور تصحيح مؤقت في السوق لا يجب الاستعجال في اعتباره مؤشراً على تغير الاتجاه، بل يجب الانتظار ومراقبة مواضع تشكل القمم والقيعان. في حال كان السوق صاعداً وحدث انخفاض مؤقت، يعني ذلك أن هذا الانخفاض هو مجرد تصحيح. أما إذا رافق الانخفاض تشكل قمم وقيعان في مستويات أقل تدريجياً، فقد تكون إشارة واضحة على انعكاس الاتجاه.
أهمية نظرية داو في التداول
تقدم نظرية داو إطاراً شاملاً لفهم حركة الأسعار وتحديد الاتجاهات الرئيسية في السوق. وقد وضعت هذه النظرية الحجر الأساس لبناء مدارس التحليل الفني من بعدها، كنظرية إليوت ونماذج الهارمونيك، إلى جانب استخدامها في مؤشرات تحليل الزخم وغيرها من المؤشرات الفنية الحديثة لتحليل الأسواق.
والجدير ذكره أن مؤسس النظرية تشارلز داو قد توفي في العام 1902م، أي قبل إكمال مؤلفاته عن النظرية بشكل كامل. ليأتي بعده مجموعة من الاقتصاديين الذين قاموا بالبناء على نظرية داو وتطويرها حتى أصبحت من أهم النظريات في عالم التداول.
ومن أبرز الكتب التي قامت بتطوير نظرية داو وأسست لمناهج التحليل الفني كما نعرفها اليوم:
- كتاب "نظرية داو" للمؤلف روبرت ريا Robert Rhea: هذا الكتاب هو المرجع الأهم لتفسير نظرية داو، وهو أول كتاب جمع وشرح مقالات تشارلز داو بشكل منهجي وواضح.
- كتاب "التحليل الفني لاتجاهات الأسعار" للمؤلفين روبرت إدواردز Robert D. Edwards وجون ماجي John Magee: وضع هذا الكتاب اللبنات الأولى لمدرسة التحليل الفني الكلاسيكي، ويعد المرجع الأساسي للتحليل الفني الكلاسيكي، وشرح النماذج السعرية والاتجاهات.
- كتاب "التحليل الفني للأسواق المالية" للمؤلف جون ميرفي John J. Murphy: الكتاب الأشهر عالمياً، يستخدم في التدريب الاحترافي وهو حجر أساس في منهج CMT.
الكاتب
تعليم التداول
"موقع تعليم التداول" هو منصة تعليمية رائدة تهدف إلى تمكين المتعلمين من دخول عالم التداول بثقة من خلال تقديم محتوى احترافي ومجاني يغطي أساسيات واستراتيجيات التداول. يسعى الموقع إلى تبسيط المفاهيم المالية ونشر الوعي الاستثماري عبر دورات تعليمية مصممة من قبل خبراء في الأسواق المالية، تجمع بين النظرية والتطبيق وتناسب جميع المستويات.
اترك رد
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة مشار إليها *